فصل: مَسْأَلَةٌ: لَا تَحْتَاجُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إِلَى نِيَّة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.مَسْأَلَة: نِسْيَانُ الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ:

مَسْأَلَةٌ: نِسْيَانُهُ كَبِيرَةٌ، صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِه: «عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ- أَوْ آيَةٍ- أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا».
وَرَوَى أَيْضًا حَدِيثَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ».
وَفِي الصَّحِيحَيْن: «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَهْوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا».

.مَسْأَلَةٌ: اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:

يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَذْكَار: وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْن: وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ لِلْمُحْدِثِ قِرَاءَة الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّب: وَإِذَا كَانَ يَقْرَأُ فَعَرَضَتْ لَهُ رِيحٌ أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ خُرُوجِهَا. وَأَمَّا الْجُنُبُ، وَالْحَائِضُ وَقِرَاءَة الْقُرْآنِ، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْقِرَاءَةُ، نَعَمْ يَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِمْرَارُهُ عَلَى الْقَلْبِ، وَأَمَّا مُتَنَجِّسُ الْفَمِ وَقِرَاءَة الْقُرْآنِ فَتُكْرَهُ لَهُ الْقِرَاءَةُ.
وَقِيلَ: تَحْرُمُ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ بِالْيَدِ النَّجِسَةِ.

.مَسْأَلَةٌ: سُنِّيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي مَكَانٍ نَظِيفٍ:

وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِي مَكَانٍ نَظِيفٍ قِرَاءَة الْقُرْآنِ، وَأَفْضَلُهُ أَفْضَلُ مَكَانٍ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَسْجِدُ: وَكَرِهَ قَوْمٌ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ قِرَاءَة الْقُرْآنِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَذْهَبُنَا لَا تُكَرَهُ فِيهِمَا. قَالَ: وَكَرِهَهَا الشَّعْبِيُّ فِي الْحُشِّ، وَبَيْتِ الرَّحَا وَهِيَ تَدُورُ، قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا.

.مَسْأَلَةٌ: اسْتِحْبَابُ أَنْ يَجْلِسَ مُسْتَقْبِلًا وَأَنْ يَسْتَاكَ:

وَيُسْتَحَبُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَجْلِسَ مُسْتَقْبِلًا مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، مُطْرِقًا رَأْسَهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَيُسَنُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَسْتَاكَ تَعْظِيمًا وَتَطْهِيرًا: وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ، فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ».
قُلْتُ: وَلَوْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ قَارِئ الْقُرْآنِ، فَمُقْتَضَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ إِعَادَةُ السِّوَاكِ أَيْضًا.

.مَسْأَلَةٌ: سُنِّيَّةُ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ:

وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَيْنَ مَوْضِعُهُ قَبْلَ الْقِرَاءَة: قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النَّحْل: 98] أَيْ أَرَدْتَ قِرَاءَتَهُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَهَا، لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَقَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهَا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: فَلَوْ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَعَادَ إِلَى الْقِرَاءَةِ، فَإِنْ أَعَادَ التَّعَوُّذَ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ كَانَ حَسَنًا. قَالَ: وَصِفَتُهُ الْمُخْتَارَةُ (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَزِيدُونَ: (السَّمِيعِ الْعَلِيمِ). انْتَهَى.
وَعَنْ حَمْزَةَ: أَسْتَعِيذُ وَنَسْتَعِيذُ وَاسْتَعَذْتُ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لِمُطَابَقَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ.
وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ الْقَادِرِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الْغَادِرِ).
وَعَنْ أَبِي السَّمَّال: (أَعُوذُ بِاللَّهِ الْقَوِيِّ، مِنَ الشَّيْطَانِ الْغَوِيِّ).
وَعَنْ قَوْمٍ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
وَعَنْ آخَرِينَ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وَفِيهَا أَلْفَاظٌ أُخَرُ.
قَالَ الْحُلْوَانِيُّ فِي جَامِعِه: لَيْسَ لِلِاسْتِعَاذَةِ حَدٌّ يُنْتَهَى إِلَيْهِ، مَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ.
وَفِي النَّشْرِ لِابْنِ الْجَزَرِيّ: الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ الْجَهْرُ أَمِ السِّر أَفْضَل فِي التَّعَوُّذِ بِهَا، وَقِيلَ: يُسِرُّ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ.
قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقُوا اخْتِيَارَ الْجَهْرِ، وَقَيَّدَهُ أَبُو شَامَةَ بِقَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ مَنْ يَسْمَعُهُ.
قَالَ: لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّعَوُّذِ مِنْ فَوَائِدِهِ إِظْهَارُ شِعَارِ الْقِرَاءَةِ، كَالْجَهْرِ بِالتَّلْبِيَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ. وَمِنْ فَوَائِدِه: أَنَّ السَّامِعَ يُنْصِتُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْ أَوَّلِهَا، لَا يَفُوتُهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَإِذَا أَخْفَى التَّعَوُّذَ لَمْ يَعْلَمِ السَّامِعُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ فَاتَهُ مِنَ الْمَقْرُوءِ شَيْءٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا.
قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمُرَادِ باخفاء التَّعَوُّذ بِإِخْفَائِهَا: فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِسْرَارُ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ وَإِسْمَاعِ نَفْسِهِ.
وَقِيلَ: الْكِتْمَانُ، بِأَنْ يَذْكُرَهَا بِقَلْبِهِ بِلَا تَلَفُّظٍ.
قَالَ: وَإِذَا قَطَعَ الْقِرَاءَةَ إِعْرَاضًا أَوْ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ- وَلَوْ رَدِّ السَّلَامِ- اسْتَأْنَفَهَا أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا.
قَالَ: وَهَلْ هِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ الِاسْتِعَاذَة، حَتَّى لَوْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ جُمْلَةً، فَهَلْ يَكْفِي اسْتِعَاذَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَالْتِجَاؤُهُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، فَلَا يَكُونُ تَعَوُّذُ وَاحِدٍ كَافِيًا عَنْ آخَرَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ.

.مَسْأَلَةٌ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةٍ:

وَلْيُحَافِظْ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ، فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْخَتْمَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ اسْتُحِبَّتْ لَهُ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْعُبَادِيُّ.
قَالَ الْقُرَّاءُ: وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ قِرَاءَةِ نَحْو: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فُصِّلَتْ: 47] وَ{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ} [الْأَنْعَام: 141] لِمَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْبَشَاعَةِ، وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى الشَّيْطَانِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيّ: الِابْتِدَاءُ بِالْآيِ وَسَطَ بَرَاءَةٍ، قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْبَسْمَلَةِ فِيهِ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ.

.مَسْأَلَةٌ: لَا تَحْتَاجُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إِلَى نِيَّة:

لَا تَحْتَاجُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إِلَى نِيَّةٍ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، إِلَّا إِذَا نَذَرَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ النَّذْرِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوِ الْفَرْضِ، وَلَوْ عَيَّنَ الزَّمَانَ، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَجُزْ- نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ.

.مَسْأَلَةٌ: سُنِّيَّةُ التَّرْتِيلِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:

يُسَنُّ التَّرْتِيلُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآن: قَالَ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [الْمُزَّمِّل: 4].
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّهَا نَعَتَتْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً، حَرْفًا حَرْفًا».
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يَمُدُّ اللَّهَ، وَيَمُدُّ الرَّحْمَنَ، وَيَمُدُّ الرَّحِيمَ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ.
وَأَخْرَجَ الْآجُرِّيُّ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، وَلَا تَهْذُوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُونُ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ.
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآن: اقْرَأْ وَارْقَ فِي الدَّرَجَاتِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ كُنْتَ تَقْرَؤُهَا».
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّب: وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الْإِسْرَاعِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
قَالُوا: وَقِرَاءَةُ جُزْءٍ بِتَرْتِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ جُزْئَيْنِ فِي قَدْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِلَا تَرْتِيلٍ.
قَالُوا: وَاسْتِحْبَابُ التَّرْتِيلِ لِلتَّدَبُّرِ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّوْقِيرِ، وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ. انْتَهَى.
وَفِي النَّشْر: اخْتُلِفَ؛ هَلِ الْأَفْضَلُ التَّرْتِيلُ وَقِلَّةُ الْقِرَاءَةِ أَوِ السُّرْعَةُ مَعَ كَثْرَتِهَا؟ وَأَحْسَنَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا فَقَالَ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التَّرْتِيلِ أَجَلُّ قَدْرًا، وَثَوَابُ الْكَثْرَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا؛ لِأَنَّ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ.
وَفِي الْبُرْهَانِ لِلزَّرْكَشِيّ: كَمَالُ التَّرْتِيلِ تَفْخِيمُ أَلْفَاظِهِ وَالْإِبَانَةُ عَنْ حُرُوفِهِ، وَأَلَّا يُدْغَمَ حَرْفٌ فِي حَرْفٍ. وَقِيلَ: هَذَا أَقَلُّهُ، وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى مَنَازِلِهِ، فَإِنْ قَرَأَ تَهْدِيدًا لَفِظَ بِهِ لَفْظَ الْمُتَهَدِّدِ، أَوْ تَعْظِيمًا لَفِظَ بِهِ عَلَى التَّعْظِيمِ.

.مَسْأَلَةٌ: سُنِّيَّةُ الْقِرَاءَةِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ:

وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ قِرَاءَة الْقُرْآن: فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ وَالْمَطْلُوبُ الْأَهَمُّ، وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ، قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29].
وَقَالَ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النِّسَاء: 82].
وَصِفَةُ قِرَاءَة الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ ذَلِكَ: أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ بِالتَّفْكِيرِ فِي مَعْنَى مَا يَلْفِظُ بِهِ، فَيَعْرِفُ مَعْنَى كُلِّ آيَةٍ، وَيَتَأَمَّلُ الْأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ، وَيَعْتَقِدُ قَبُولَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا قَصَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى اعْتَذَرَ وَاسْتَغْفَرَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ اسْتَبْشَرَ وَسَأَلَ، أَوْ عَذَابٍ أَشْفَقَ وَتَعَوَّذَ، أَوْ تَنْزِيهٍ نَزَّهَ وَعَظَّمَ، أَوْ دُعَاءٍ تَضَرَّعَ وَطَلَبَ.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ».
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ».
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ: «مَنْ قَرَأَ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا، فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرَأَ {وَالْمُرْسَلَاتِ} فَبَلَغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ».
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى».
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَسَكَتُوا، فَقَالَ: لَقَدْ قَرَأَتُهَا عَلَى الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاءِ- وَغَيْرُهُمْ- بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا، عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الْآيَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ، وَتَكَفَّلْتَ بِالْإِجَابَةِ، لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ فَرْدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ حَقُّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ».
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقَالَ: آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ».
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ قَالَ: آمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ: «أَنَّ جِبْرِيلَ لَقَّنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ آمِينَ».
وَأَخْرَجَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ قَالَ: آمِينَ».
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنَ الْآدَابِ عِنْدَ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْآيَاتِ إِذَا قَرَأَ نَحْوَ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْزٌ ابْنُ اللَّهِ} [التَّوْبَة: 30]، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [الْمَائِدَة: 64]. أَنْ يَخْفِضَ بِهَا صَوْتَهُ. كَذَا كَانَ النَّخَعِيُّ يَفْعَلُ.

.مَسْأَلَةٌ: في تَكْرِيرِ الْآيَةِ وَتَرْدِيدِهَا:

لَا بَأْسَ بِتَكْرِيرِ الْآيَةِ وَتَرْدِيدِهَا: رَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الْآيَةَ».

.مَسْأَلَةٌ: اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:

يُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالتَّبَاكِي لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالْحُزْنُ وَالْخُشُوعُ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الْإِسْرَاء: 109].
وَفِي الصَّحِيحَيْن: حَدِيثُ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيه: «فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».
وَفِي الشُّعَبِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ وَكَآبَةٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ، فَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا».
وَفِيهِ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي «قَارِئٌ عَلَيْكُمْ سُورَةً، فَمَنْ بَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا».
وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى حَدِيثُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِالْحُزْنِ، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْحُزْنِ».
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيّ: «أَحْسَنُ النَّاسِ قِرَاءَةً مَنْ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَحَزَّنُ بِهِ».
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّب: وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِ الْبُكَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَيْفَ يَتَأَتَّى أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَأُ مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ، ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَصَائِبِ.